فصل: غزوة الغابة وذي قرد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غزوة بني قريظة:

ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه جبريل بالنهوض إلى بني قريظة وذلك بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم فأمر المسلمين أن لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة وخرج وأعطى الراية علي بن أبي طالب واستخلف ابن أم مكتوم وحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد إحدى ثلاث إما: الإسلام وإما تبييت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة السبت ليكون الناس آمنين منهم وإما قتل الذراري والنساء ثم الاستماتة فأبوا كل ذلك وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر بن عمرو بن عوف لأنهم كانوا حلفاء الأوس فأرسله واجتمع إليه الرجال والنساء والصبيان فقالوا: يا أبا لبابة ترى لنا أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده في حلقه أنه الذبح ثم رجع فندم وعلم أنه أذنب فانطلق على وجهه ولم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وربط نفسه إلى عمود في المسجد ينتظر توبة الله عليه وعاهد الله أن لا يدخل أرض بني قريظة مكانا خان فيه ربه ونبيه وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو أتاني لاستغفرت له فأما بعد ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه فنزلت توبته فتولى عليه السلام إطلاقه بيده بعد أن أقام مرتبطا بالجذع ست ليال لا يحل إلا للصلاة.
ثم نزل بنو قريظة على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم بعضهم ليلة نزولهم وهم نفر أربعة من هذيل إخوة قريظة والنضير وفر عنهم عمرو بن سعد القرظي ولم يكن دخل معهم في نقض العهد فلم يعلم أين وقع ولما نزل بنو قريظة على حكمه صلى الله عليه وسلم طلب الأوس أن يفعل فيهم ما فعل بالخزرج في بني النضير فقال لهم: ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى قال فذلك إلى سعد بن معاذ وكان جريحا منذ يوم الخندق وقد أنزله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة في المسجد ليعوده من قريب فأتى به على حمار فلما أقبل على المجلس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: قوموا إلى سيدكم ثم قالوا: يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك حكم مواليك فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه قالوا: نعم قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتسبى الذراري والنساء وتقسم الأموال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ثم إنه أمر فأخرجوا إلى سوق المدينة وخندق لهم بها خنادق وضربت أعناقهم فيها وهم بين الستمائة والسبعمائة رجل وقتلت فيهم امرأة واحدة بنانة امرأة الحكم القرظي وكانت طرحت على خلاد بن سويد بن الصامت رحى من فوق الحائط فقتلته وأمر عليه السلام بقتل من أنبت منهم ووهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن ياطا فاستحيا منهم عبد الرحمن بن الزبير كانت له صحبة وبعد أن كان ثابت استوهب من النبي صلى الله عليه وسلم الزبير وأهله وماله فوهبه ذلك فمر الزبير عليه يده وأبى إلا الشد مع قومه اغتباطا بهم قبحه الله ووهب عليه السلام لأم المنذر بنت قيس من بني النجار رفاعة بن سموأل القريظي فأسلم رفاعة وله صحبة.
وقسم صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وكانت خيل المسلمين يومئذ ستة وثلاثين فارسا ووقع في سهم النبي صلى الله عليه وسلم من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة من بني عمرو بن قريظة فلم تزل في ملكه حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فتح بني قريظة آخر ذي القعدة من السنة الرابعة ولما تم أمرهم أجيبت دعوة سعد بن معاذ فانفجر عرقه ومات فكان ممن استشهد يوم الخندق في سبعة آخرين من الأنصار وأصيب من المشركين يوم الخندق أربعة من قريش فيهم: عمرو بن عبد ود وابنه حسل ونوفل بن عبد الله بن المغيرة ولم تغز كفار قريش المسلمين منذ يوم الخندق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى من السنة الخامسة لستة أشهر من فتح بني قريظة فقصد بني لحيان يطالب بثأر عاصم بن ثابت وخبيب بن عدي وأهل الرجيع وذلك إثر رجوعه من دومة الجندل فسلك على طريق الشام أولا ثم أخذ ذات اليسار إلى صخيرات اليمام ثم رجع إلى طريق مكة وأجد السير حتى نزل منازل لبنى بين أمج وعسفان فوجدهم قد حذروا وامتنعوا بالجبال وفاتتهم الغرة فيهم فخرج في مائتي راكب إلى المدينة.

.غزوة الغابة وذي قرد:

وبعد قفوله والمسلمين إلى المدينة بليال أغار عيينة بن حصن الفزاري في بني عبد الله من غطفان فاستلحموا القاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة وكان فيها رجل من بني غفار وامرأته فقتلوا الرجل وحملوا المرأة ونذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي وكان ناهضا فعلا ثنية الوادع وصاح بأعلى صوته نذيرا بهم ثم اتبعهم واستنقذ ما كان بأيديهم ولما وقعت الصيحة بالمدينة ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم ولحق به المقداد بن الأسود وعباد بن بشر وسعد بن زيد من بني عبد الأشهل وعكاشة بن محصن ومحرز بن نضلة الأسدي وأبو قتادة من بني سلمة في جماعة من المهاجرين والأنصار وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد وانطلقوا في اتباعهم حتى أدركوهم فكانت بينهم جولة قتل محرز بن نضلة قتله عبد الرحمن بن عيينة وكان أول من لحق بهم ثم ولى المشركون منهزمين وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء يقال له ذو قرد فأقام عليه ليلة ويومها ونحر الناقة من لقاحه المسترجعة ثم قفل إلى المدينة.